صرخة استغاثة من جوف الظلام
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
كان ليلا حالكا نسمات الهواء البارد تنساب بين اوراق و اغصان الاشجار،...في منتصف الغابة.. كانت هناك فتاة مراهقة لا يتجاوز عمرها الخامسة عشرة... كانت تركد باقصى سرعتها و الخوف واضح في عينيها.... التربة و الوحل الزلق يجعلان ركضها صعبا لكن.... الخوف، الذعر، الرعب الذي كان في صدرها كان يدفعها لركض... فقط الركض هربا من الظل الاسود الطويل الذي كان كان يلحقها...... اثناء ركضها تعثرت بجذر بارز و سقطت ارضا.... ارتطم جسدها المرتجف بالارض الباردة المتربة.....
"ساندرا.... خلفكي"
ناشدها صوت بالنظر الى الخلف لكن الدم كان مجمدا في عروقها..... ببطئ جديد بدات تدير جسمها المرتعش و هي ترفع بصرها الذي يومض بالذعر و حينها........
يعود بنا الزمن الى الوراء.... قبل ثلاثة ايام
في جميل كانت ساندرا تجلس على سريرها ممسكة بصورة لها مع والديها و صبي يشببهها و كانت ملامح وجهها حزينة جدا لكنها اخفتها بمجرد سماعها طرقا على الباب
"ساندرا.... هل يمكنني الدخول"
"اجل اليكس تعال"
دخل الفتى الذي كان معها في الصورة و حين راى اليكس الصورة التي بين يدي اخته التوام ظهرت نظرة حزن في عينيه
"لم تتخطي بعد.... صحيح" قال اليكس
"انها امي التي ماتت يا اليكس...امي.. لا يمكنني ان اتخط الامر بسهولة" قالت ساندرا.
"انها امي ايضا يا ساندرا.... و حتى انا ما يزال موتها يؤلمني"
قال اليكس ليتنهد بعدها و ينظر الى ساعته ثم الى اخته و يردف بهدوء.
"هيا لا نريد ان نتاخر.... ابي قد ذهب الى عمله قبل نصف ساعة"
"حسنا هيا بنا" ردت ساندرا.
خرج التوام من منزلهما ثم اخذى يمشيان معا حتى وصلا الى مدرستهما حيث اجتمع الطلاب أمام المدرسة، يقفون في مجموعات صغيرة بينما تصطف ثلاث حافلات ذات لون أصفر باهت عند المدخل. أصوات الضحكات، والحديث الحماسي، وضجيج الحقائب المتحركة ملأت المكان. الجميع كان متحمسًا، رغم أن بعضهم بدا غير مبالٍ.
"مرحبا ساندرا و اليكس " قالت فتاة مرحبة بالاخوين.
"اهلا ايفا.... اهلا نيكي" قال اليكس
"امل الا نواجه مشاكل خلال الرحلة" صرح نيكي و هو يعدل نظارته
"اوووه انظرو القط الصغير خائف"
سمعت المجموعة تعليقا ساخرا ليلتفتو و يرى ثلاثة طلاب يبدون اثريا و على وجوههم ابتسامات ساخرة
"عظيم... يستحيل ان يمضي علينا يوم دون ان تزعجونا فيه يا ثلاثي الأرستقراطية" قال ايفا بانزعاج
"ماكسين، فيكتور و تانيكا..... الافضل الا تقتربو منا خلال تواجدنا في المخيم" قال اليكس.
"لانك تخاف التعرض لعقاب من قبل المدير" سخر ماكسين
"لا بل لاني لا اريد تضييع وقت الاستمتاع بالرحلة بالتشاجر معكم" رد اليكس.
كان ماكسين سيتكلم لكنه سكت حين وقف مدير المدرسة، رجل خمسيني ذو شارب كثيف ونظارات سميكة، فوق منصة صغيرة أمام الحافلات، وأشار بيديه لتهدئة الطلاب. كان يرتدي بذلة رمادية قديمة، وربما كانت هذه الرحلة أكثر إثارة مما اعتاد عليه في حياته الرتيبة
"حسنًا أيها الطلاب، استمعوا جيدًا!" قال بصوت جهوري، فالتفتت إليه الأنظار.
"هذه الرحلة ستكون فرصة لكم للاستمتاع بالطبيعة، وتعلم مهارات جديدة، ولكن لا تنسوا أنها أيضًا رحلة تعليمية!"
صدرت بعض التنهيدات المزعجة من الطلاب، مما جعله يضيق عينيه لكنه تجاهل الأمر وأكمل:
"الأنشطة تتضمن المشي لمسافات طويلة، والتخييم، وإشعال النار بالطريقة التقليدية، والسباحة في البحيرة القريبة، بالإضافة إلى مسابقة لاختيار أفضل فريق في التخييم."
بدا بعض الطلاب متحمسين عند سماع المسابقة،
تابع المدير حديثه:
"لكن هناك قواعد صارمة يجب اتباعها! يمنع الابتعاد عن المخيم دون إذن المشرفين، يمنع إشعال النار دون إشراف، ويمنع السباحة بعد غروب الشمس. وأهم قاعدة..."
توقف قليلًا، ثم قال بصوت منخفض لكنه جاد:
"لا تقتربوا من الغابة العميقة."
سرت همهمة بين الطلاب، لكن المدير تجاهلها وأكمل:
"هذه القوانين لحمايتكم، ومن يخالفها سيتعرض للعقوبات! حسنًا، الآن اصعدوا إلى الحافلات حسب القائمة" ليصعد الطلاب الحافلات بعدها.
بعد أن صعد الطلاب إلى الحافلات، انطلقت المحركات ببطء، وتحركت القافلة عبر الطريق الريفي المؤدي إلى موقع التخييم. كانت المقاعد مغطاة بقماش رمادي قديم، ورائحة الحافلة مزيج غريب بين البلاستيك القديم والعطر الرخيص.
جلس أليكس بجانب شقيقته التوأم ساندرا قرب النافذة. كان يراقب الطريق بصمت، بينما كانت هي تمسك هاتفها، تتفقد صور الرحلات السابقة التي التقطتها. لم تكن تتحدث كثيرًا، لكن أليكس كان يشعر أنها متوترة بعض الشيء.
"كل شيء سيكون على ما يرام، ساندرا." قال بصوت هادئ، فنظرت إليه بابتسامة خفيفة وهزت رأسها.
خلفهما، جلست إيفا بجانب نيكي، وكانت تحاول إقناعه بلعب لعبة على هاتفها، لكنه كان مشغولًا بتدوين ملاحظات عن جدول الأنشطة في دفتر صغير.
"هيا، نيكي! الرحلة ليست اختبارًا دراسيًا، استمتع قليلًا!" قالت وهي تهزه برفق.
"أنا فقط أحب أن أكون مستعدًا." تمتم دون أن يرفع رأسه، فتنهدت إيفا مبتسمة واستندت إلى المقعد.
بينما جلس ماكسين في المقعد الخلفي، واضعًا قدميه على المقعد أمامه، غير مكترث بنظرات تانيكا الغاضبة.
"هل يمكنك التصرف وكأنك لم تُولد في غابة؟" قالت بازدراء.
"أنا مرتاح هكذا، تانيكا." أجابها بلا مبالاة، بينما كان فيكتور بجانبه يحاول كتم ضحكته.
على الجانب الآخر من الحافلة، كان هناك فتى اسمه ايريك جالسًا وحده، ينظر من النافذة دون أن يتفاعل مع أحد. بعض الطلاب كانوا يرمقونه بنظرات جانبية، يتهامسون عن ماضي والده، لكنه لم يكن يهتم. كان يدرك تمامًا أنه بالنسبة لهم... سيظل دائمًا الفتى الغريب الذي لا أحد يريد الاقتراب منه.
مع مرور الوقت، بدأ البعض بالغناء، والبعض الآخر بلعب الورق، بينما كان المعلمون في مقدمة الحافلة يتحدثون عن تفاصيل الرحلة.
لكن في لحظة ما، تغير الجو فجأة....
انطفأت الأضواء الداخلية للحظات، وساد صمت غريب، قبل أن تعود للعمل مجددًا. بعض الطلاب ظنوا أنه مجرد عطل كهربائي، لكن إحدى الفتيات أقسمت أنها سمعت صوتًا غريبًا يأتي من خارج الحافلة... وكأن شيئًا كان يركض بجانبها في الظلام.
لكن الجميع تجاهلوا الأمر بسرعة. فلم يكن أحد يعلم أن هذه لم تكن سوى البداية.
بعد ساعات من السفر عبر الطرق الريفية المتعرجة، توقفت الحافلات أخيرًا عند مدخل غابة كثيفة تمتد على مد البصر. الأشجار العالية شكلت مظلة طبيعية، حاجبة جزءًا كبيرًا من ضوء الشمس، مما أضفى على المكان جوًا غامضًا.
نزل الطلاب واحدًا تلو الآخر، بعضهم متحمس، والبعض الآخر متذمر من طول الرحلة. كان هناك لوح خشبي قديم قرب المدخل كتب عليه بحروف باهتة:
"مخيم سيليفان – استمتعوا بالطبيعة، لكن احترموا قوانينها."
بينما كان الجميع منشغلين بتفريغ الأمتعة، لمح أليكس و نيكي كوخًا خشبيًا صغيرًا على أطراف المخيم. بدا قديمًا جدًا، وكأنه جزء من الغابة نفسها، نوافذه مغلقة بستائر رمادية، وبابه نصف مفتوح.
"هل تعتقد أن هناك أحدًا يعيش هنا؟" تساءل نيكي، وهو ينظر بفضول.
"يبدو كذلك... لنذهب ونتأكد." قال أليكس وهو يسير نحو الكوخ، رغم أن حدسه كان يخبره أن هذا ليس أفضل قرار.
طرق أليكس على الباب، وبعد لحظات خرج رجل عجوز، ذو لحية رمادية كثيفة وملامح متجعدة، ترتسم على وجهه نظرة حذرة. كان يرتدي معطفًا داكنًا قديمًا، وعيناه البنيتين تحدقان فيهما بحدة.
"ماذا تريدان؟" سأل بصوت أجش.
تبادل أليكس و نيكي نظرات سريعة قبل أن يجيب الأول:
"نحن طلاب في الرحلة المدرسية، لاحظنا الكوخ وتساءلنا إن كنت تعيش هنا."
تأمل العجوز ملامحهما قليلاً، ثم أطلق ضحكة خافتة، لكنها لم تكن تبدو ضحكة مرحة بقدر ما كانت مريبة.
"إذن، أنتم هنا للتخييم؟" قال، ثم نظر إلى الغابة التي تحيط بالمخيم.
"حسناً، اسمي كريس..... استمتعوا بوقتكم، لكن..." صمت قليلًا، ثم نظر إليهما بجدية مفاجئة.
"لا تقتربوا من الكهف وسط الغابة، خاصةً بعد غروب الشمس."
شعر نيكي بقشعريرة تمر عبر جسده، لكنه حاول أن يبدو غير مبالٍ وسأل:
"لماذا؟ مجرد كهف، أليس كذلك؟"
هز العجوز رأسه ببطء.
"بعض الأماكن ليست كما تبدو. إن دخلتما إلى هناك في الليل، قد لا تخرجا... أو ربما ستخرجان، لكن ليس في نفس العالم الذي تعرفانه."
ابتلع نيكي ريقه، بينما أليكس ظل هادئًا، رغم أن كلمات العجوز أثارت فضوله.
"تقصد... كابوسًا؟" سأله أليكس، مستفسرًا.
أومأ العجوز، ثم أضاف بصوت منخفض:
"بعض الأحلام تستهلك الواقع... والبعض الآخر يحبس الأرواح إلى الأبد."
نظر الصديقان إلى بعضهما، ثم إلى العجوز، لكن الأخير استدار ببطء وعاد إلى كوخه دون أن يقول كلمة أخرى، مغلقًا الباب خلفه.
وقف أليكس و نيكي للحظات، قبل أن يتمتم الأخير وهو يحاول الضحك بتوتر:
"حسنًا... أعتقد أنني لن أذهب إلى أي كهف قريبًا."
لكن أليكس لم يكن واثقًا من ذلك.
لسبب ما، شعر أن هذه الرحلة لن تكون عادية على الإطلاق.
بينما كان الطلاب منشغلين بإخراج حقائبهم من الحافلة، وقفت ساندرا تحاول إنزال حقيبتها الكبيرة من المقصورة العلوية. كانت ثقيلة نوعًا ما، مما جعلها تبذل مجهودًا واضحًا.
في تلك اللحظة، امتدت يد قوية وأمسكت بالحقيبة قبل أن تسقط، مما فاجأها. نظرت بسرعة لترى ايريك، الذي كان يقف بجانبها، ممسكًا بالحقيبة بيد واحدة كما لو أنها لم تكن ثقيلة على الإطلاق.
"أنتِ تحملين أشياءً تكفي لرحلة شهر، وليس لأسبوع." قال بصوته الهادئ، وهو يضع الحقيبة على الأرض.
"أوه... شكرًا، ايريك." تمتمت ساندرا بلطف، متفاجئة بعض الشيء من مبادرته غير المتوقعة.
لم يرد عليها، فقط أومأ برأسه واختفى بسرعة بين الطلاب دون أن ينتظر أي تعليق آخر.
وقفت إيفا على بُعد خطوات، تراقب المشهد بعيون متفاجئة. تقدمت نحو ساندرا، ووضعت يديها على خصرها وهي ترفع حاجبها.
"انتظري لحظة... هل ساعدك ايريك للتو؟"
نظرت ساندرا نحوها باستغراب. "نعم؟ وما المشكلة؟"
أطلقت إيفا ضحكة قصيرة، وكأنها غير مصدقة. "ذلك الفتى لا يساعد أحدًا. بل بالكاد يتحدث مع أي شخص. ما القصة؟"
هزت ساندرا كتفيها وهي تمسك حقيبتها. "لا أعرف... ربما هو ليس كما تعتقدين."
لكن إيفا لم تكن مقتنعة بذلك تمامًا. كانت هناك غموض ما يحيط بريك، واليوم، بدا وكأنه كشف عن جانب غير متوقع منه.
"هممم... مثير للاهتمام." تمتمت إيفا لنفسها، قبل أن تتبع ساندرا نحو المخيم، وهي تفكر في الامر
وقف الطلاب متجمعين حول المشرف الذي رفع صوته ليعلن:
"حسنًا، استمعوا جميعًا! عليكم تشكيل مجموعات من ثلاثة إلى خمسة طلاب. هذه المجموعات ستكون دائمة طوال الرحلة، و خلال النشاطات. لذا، اختاروا بعناية!"
بدأت الهمهمات تعلو بين الطلاب، وبدأ الجميع يشكلون مجموعاتهم. أليكس، ساندرا، نيكي، وإيفا كانوا قد قرروا بالفعل البقاء معًا، لذا لم يكن هناك حاجة للنقاش بينهم.
لكن بينما كانت ساندرا تنظر حولها، لاحظت شخصًا يقف وحيدًا عند أطراف المجموعة، يضع يديه في جيوبه وينظر بعيدًا عن الجميع— إيريك.
لم تكن أي مجموعة تريده معها. البعض تجنبه عمدًا، بينما آخرون لم يفكروا حتى في ضمه. كان واضحًا أن سجله العائلي لا يزال يطارده.
تقدمت ساندرا نحوه بدون تردد وقالت بلطف: "إيريك، هل تريد الانضمام إلينا؟"
رفع حاجبيه قليلًا ونظر إليها كما لو أنها قالت شيئًا غير متوقع.
قبل أن يتمكن من الرد، قاطعت إيفا وهي تضع يديها على خصرها: "لحظة، لحظة! لدينا شرط!"
نظر إليها إيريك بريبة، فيما أضافت: "لا أحد في مجموعتنا يُنادى باسمه الحقيقي، لذا إذا كنت ستنضم، يجب أن تحصل على لقب."
"لقب؟! " تساءل ايريك.
"نعم فمثلا انا اسمي ايفيانا و لقبي ايفا و نيكيتا نيكي و الكسندر اليكس و الكسندرا ساندرا"
"اتساءل اي لقب يجب ان نعطيك" قال نيكي.
نظر إيريك نحو أليكس، الذي ابتسم بخفة وقال: "ماذا عن... ريك؟"
بقي إيريك صامتًا للحظة، ثم تنهد وأشاح بنظره قائلاً:
"أيا يكن... نادوني بما شئتم."
تبادلت المجموعة نظرات سريعة قبل أن تبتسم ساندرا وتقول: "حسنًا، مرحبًا بك في الفريق، ريك!"
وهكذا، أصبحوا خمسة.
في المساء كان الهواء باردًا بعض الشيء، والطلاب منشغلون في تحضير العشاء حول نيران المخيم الصغيرة. كل مجموعة كانت مسؤولة عن إعداد طعامها بنفسها، وهو ما جعل البعض متحمسًا بينما بدا الآخرون وكأنهم يواجهون مهمة مستحيلة.
في مجموعة أليكس، كان العمل يسير بسلاسة— أو هذا ما كانوا يعتقدونه حتى لاحظ نيكي شيئًا غريبًا.
كان ريك يعمل بمهارة غير متوقعة، يقطع الخضار بسرعة ودقة، يقلب المكونات في المقلاة بحركة سلسة، ويتذوق الصلصة بإتقان. حتى ساندرا وإيفا، اللتان كانتا تفتخران بمهاراتهما في الطبخ، لم تستطيعا مجاراته.
وقف نيكي بجانبه، يراقب بدهشة قبل أن يهمس: "واو، لم أكن أتوقع أنك بارع في الطبخ... حتى أكثر من ساندي وإيفا."
توقف ريك للحظة، ثم تابع العمل كأن شيئًا لم يحدث. "اعتدتُ على إعداد طعامي بنفسي." قالها بصوت هادئ دون أي تفاصيل إضافية.
كان واضحًا للجميع أن هذا الموضوع ليس شيئًا يود الحديث عنه. تبادلوا نظرات سريعة، ولم يضغط عليه أحد، بالأخص ساندرا، التي غيرت الموضوع بسرعة قائلة:
"حسنًا، يبدو أن لدينا طاهٍ محترف في مجموعتنا! سيكون لدينا أفضل وجبة في المخيم!"
ضحك البقية، وواصلوا العمل، بينما شعر ريك ببعض الراحة لعدم طرح المزيد من الأسئلة.
في الجهة الأخرى…
كان الوضع كارثيًا في مجموعة ماكسين.
فيكتور كان يحاول إشعال النار لكنه كاد يحرق نفسه. تانيكا كانت تصرخ عليه بأنه لا يفعلها بشكل صحيح بينما ماكسين كان يجلس مسترخيًا، يأكل بعض رقائق البطاطس كما لو أن الفوضى أمامه ليست مشكلته.
صرخت تانيكا بغضب: "ألا تفعل شيئًا يا ماكسين؟!"
رفع ماكسين كتفيه بكسل: "أنا المدير التنفيذي هنا، لست العامل."
انفجر فيكتور: "إذا لم نُحضر العشاء، فلن نأكل!"
ضحك ماكسين ببرود، ثم نهض أخيرًا وقال: "حسنًا، حسنًا، سأتصرف... لكن إذا سممنا أنفسنا، فهذه غلطتكم."
أخذ السكين وحاول تقطيع البصل، لكنه بعد ثوانٍ فقط صرخ وهو يمسك يده: "اللعنة! دخلت قشرة بصل في عيني!!"
لم يستطع أحد منع نفسه من الضحك، حتى تانيكا، التي هزت رأسها وقالت: "يا إلهي، نحن في ورطة."
وهكذا، بينما كانت مجموعة أليكس تستعد لتناول عشاء رائع، كانت مجموعة ماكسين تكافح فقط لتجنب إحراق المخيم بأكمله.
بعد انتهاء العشاء، بدأ الطلاب في التنظيف والاستعداد لقضاء أول ليلة في المخيم. كانت الأجواء هادئة، مع بعض الضحكات والمزاح هنا وهناك، لكن فيكتور وماكسين كانا يخططان لشيء آخر تمامًا.
كانا يراقبان نيكي وهو يجمع الأواني مع إيفا، وعلى وجه فيكتور ابتسامة ماكرة. "حان وقت القليل من المرح، ما رأيك؟" همس لماكسين، الذي ضحك قائلاً: "أوه، لدي فكرة مثالية."
لحظات لاحقة…
كان نيكي يضع بعض الأطباق على الطاولة عندما صرخ فيكتور فجأة بصوت مرتعب:
"نيكيتا! خلفك!!"
استدار نيكي بسرعة، وعندها انقض ماكسين عليه بقناع مرعب وصوت مخيف، ممسكًا بكتفيه بقوة!
"بوووو!!"
صرخ نيكي مرتعبًا، قفز مترًا للخلف، وكاد يسقط فوق الطاولة. تراجع وهو يلهث، بينما انفجر فيكتور وماكسين ضاحكين بجنون.
"يا إلهي! وجهك كان لا يقدر بثمن!" قال فيكتور وهو يمسك بطنه من الضحك.
ماكسين، الذي لا يزال يرتدي القناع، مال نحو نيكي وقال بصوت ساخر: "تبدو شاحبًا يا عبقري، ألا تقول أنك لا تخاف؟"
لكن قبل أن يتمكن نيكي من الرد، ظهر ريك فجأة.
بهدوء مخيف، اقترب منهم، ثم بضربة واحدة، انتزع القناع من ماكسين ورماه بعيدًا.
حدّق في ماكسين وفيكتور بعينين باردتين، ثم قال بصوت منخفض لكن حاد: "إذا لم يكن لديكما شيء مفيد لتفعلاه، فاذهبا واحفرا قبريكما منذ الآن."
ساد صمت ثقيل.
نظر فيكتور إلى ماكسين، الذي ابتلع ريقه، ثم قال ساخرًا: "ن، حسنًا، لا داعي لأن تتحول إلى وحش."
لكن ريك لم يتحرك.
كان ينظر إليهما نظرة جعلت الضحك يختفي من وجهيهما تمامًا.
بعد لحظة، تمتم ماكسين: "هيا، فيكتور، هذا ليس ممتعًا بعد الآن."
غادرا بسرعة، لكنهما لم يستطيعا التخلص من الشعور الغريب الذي تركه ريك في أذهانهما.
أما نيكي…
تنفس بعمق، لا يزال يحاول استيعاب ما حدث. نظر إلى ريك، الذي لم يقل شيئًا، فقط أدار ظهره وعاد إلى مكانه بهدوء وكأن شيئًا لم يكن.
نظر نيكي إلى إيفا وساندرا، اللتين كانتا تراقبان بصمت. بعد لحظة، ابتسم نيكي بتوتر وقال: "حسنًا… لم أكن لأقولها بهذه الطريقة، لكن… شكرًا، ريك."
توقف ريك للحظة، ثم التفت إليه ببرود وقال:
"ليس عليك شكري... كان أي أحد ليفعل ما فعلته."
ثم أكمل طريقه دون أن ينظر خلفه، تاركًا نيكي يرمقه بدهشة.
لاحقا.........
تألقت السماء بآلاف النجوم التي انعكست على سطح النهر الهادئ، مخلِّفة منظرًا ساحرًا. كان المخيم قد هدأ قليلًا، مع انشغال بعض الطلاب في خيامهم، بينما بقي آخرون مستيقظين حول النار.
بعيدًا عن كل ذلك، جلس ريك وحده على صخرة قرب النهر، متأملًا سطح الماء بصمت.
كان الهواء باردًا قليلًا، لكنه لم يكن يشعر به. بدا وكأنه غارق في أفكاره، كما لو أن الماء أمامه يعكس شيئًا أكثر عمقًا من مجرد نهر.
بعد لحظات، اقترب منه أليكس، جلس بجانبه دون أن يقول شيئًا في البداية.
"لم أتوقع أن تكون بارعًا في إنقاذ الموقف، ريك."
رفع ريك عينيه، لكنه لم يرد فورًا.
"أقصد، ما فعلته مع نيكي… لم يكن عليك التدخل، ومع ذلك فعلت."
تنهد ريك، ثم قال ببرود: "لم يكن شيئًا كبيرًا."
"لكنه كان كذلك بالنسبة لنا." قال أليكس بجدية. "نيكي قد يتصرف وكأنه لا يهتم، لكنه لا يتحمل هذا النوع من المقالب."
لم يعلق ريك، فقط ألقى بحجر صغير في الماء، مراقبًا الدوائر التي تشكلت على سطحه.
بعد لحظة صمت، سأله: "ما مشكلتكم مع مجموعة ماكسين؟"
نظر إليه أليكس مستغربًا، فأكمل ريك: "لقد لاحظت أن التوتر بينكم ليس جديدًا. دائمًا ما يحاولون استفزازكم."
تنهد أليكس ونظر إلى الماء: "الأمر بسيط… إنهم يرون أنفسهم فوق الجميع. ولدوا في عائلات ثرية، وهذا جعلهم يتعاملون معنا وكأننا أدنى منهم. كانوا يتنمرون علينا منذ كنا صغارًا، والآن… رغم أننا لم نعد أطفالًا، إلا أن بعض الأشياء لا تتغير."
أومأ ريك ببطء، وكأنه يستوعب الأمر.
ساد الصمت للحظات، لكن هذه المرة، كان ريك هو من تردد قبل أن يتحدث. نظر إلى أليكس بطرف عينه، ثم تمتم بصوت منخفض:
"أختك…"
انتبه أليكس فورًا، فأكمل ريك بعد لحظة تردد: "لقد لاحظت أنها تنعزل كثيرًا. هل… حدث شيء معها؟"
نظر أليكس إلى النهر للحظات، ثم زفر ببطء وقال بصوت هادئ:
"أمي ماتت قبل سنة تقريبا."
نظر إليه ريك بصمت، منتظرًا أن يكمل.
"ساندرا كانت قريبة جدًا منها… كانت أمنا عالمها بأكمله. لكن السرطان…" توقف لوهلة قبل أن يواصل بصوت أخفض: "أخذها منا ببطء."
كان صوته متزنًا، لكن نظراته حملت ثقل ذكريات مؤلمة.
"عندما رحلت، تغيرت ساندرا. لم تعد الفتاة نفسها التي كنت أعرفها. أصبحت أكثر هدوءًا، أكثر انعزالًا. تحاول التصرف وكأن كل شيء بخير، لكنها ليست كذلك."
كان هذا هو الجزء الذي لم يقله لريك بصوت عالٍ، لكنه فهمه جيدًا.
بعد لحظة، نظر أليكس إلى ريك وسأله: "ماذا عنك؟"
ضحك ريك ضحكة ساخرة، لكنها لم تحمل أي مرح.
"أنا؟ قصتي ليست بتلك التراجيدية."
ثم توقف قليلًا قبل أن يقول:
"في الواقع… لم أكن أعرف أمي أبدًا. غادرت عندما كنت في الثانية من عمري. تركتني لأبي."
رفع أليكس حاجبه: "لماذا؟"
هز ريك كتفيه بلامبالاة، لكن كلماته حملت مرارة واضحة:
"لأن والدي كان… يعمل في أشياء لا يجب أن يعمل بها أحد. وعندما رأت أمي أن حياتها ستكون أفضل بدونه، لم تتردد في التخلص من كل ما يربطها به."
نظر أليكس إليه، لكنه لم يقاطع.
"وجدت لنفسها زوجًا جديدًا، رجلًا ثريًا منحها حياة نظيفة ومريحة. أما أنا؟ بقيت مع أبي حتى سقط أخيرًا قبل ثلاث سنوات ودخل السجن... و تركني مع جدتي"
ألقى ريك حجرًا آخر في النهر، وشاهد الدوائر التي شكلها.
"أمي أنقذت نفسها من قذارته، لكنني غرقت بها."
ساد الصمت بينهما بعد كلماته الأخيرة.
أليكس لم يقل شيئًا، لكنه كان يفكر. ربما، رغم كل اختلافاتهما، كان هناك شيء مشترك بينهما… الألم الذي لا يراه أحد.
بعد لحظة، قال ريك بصوت هادئ:
"أنا لا أبحث عن شفقة أحد، لذا لا تنظر إلي هكذا."
ابتسم أليكس بخفة وقال: "لم أكن لأنظر إليك بهذه الطريقة."
نظر إليه ريك أخيرًا، ثم ابتسم هو الآخر، لكنها كانت ابتسامة شبه ساخرة.
"حسنًا… هذا جيد."
ثم عاد كلاهما إلى مراقبة النهر بصمت كان صوت الماء المنساب بلطف يملأ الأجواء، يرافقه صوت حفيف الأشجار في الرياح الباردة.
بعد لحظة صمت، التفت ريك نحو أليكس وسأله بنبرة فضولية:
"بالمناسبة… من وُلد أولًا؟"
ابتسم أليكس بخفة وأجاب:
"أنا. أنا أكبر من ساندرا بعشر دقائق."
رفع ريك حاجبه قليلاً وقال: "عشر دقائق، ها؟ إذن، رسميًا، أنت الأخ الأكبر."
ضحك أليكس بخفة: "نعم، وأعتقد أن هذا يجعلني مسؤولًا عنها."
أومأ ريك ببطء، ثم نظر إلى الماء مجددًا. بعد لحظة، قال بصوت أكثر هدوءًا:
"إن كنت الأخ الأكبر، فهذا يعني أن عليك أن تكون سندًا لها… حتى لا تغرق في الحزن."
نظر إليه أليكس قليلاً، لكن ريك لم يكن يبادله النظرات، بل كان عالقًا في أفكاره.
"أنا…" تنهد ريك، ثم أكمل بصوت منخفض: "كنت أتمنى لو كان لديّ أخ أو أخت… ربما عندها، لم أكن لأشعر بهذه الوحدة."
بقي أليكس صامتًا للحظة، وكأنه لا يعرف ما يجب أن يقوله. لم يكن قد سمع ريك يتحدث عن مشاعره بهذه الصراحة من قبل.
لكن ما لم يعرفه أي منهما، هو أن هناك شخصًا آخر كان يسمع هذا الحديث…
........ساندرا.......
منذ اللحظة التي جلس فيها أليكس بجانب ريك، كانت ساندرا قد مرت بالقرب من المكان بالصدفة، لكنها توقفت عندما سمعت صوتيهما.
اختبأت خلف شجرة قريبة، تستمع بصمت، وعيناها متسعتان مع كل كلمة سمعَتها.
لم تكن تعلم أن أليكس لا يزال يفكر كثيرًا بوالدتهما… ولم تكن تعلم أن ريك يحمل كل هذا الألم داخله.
شعرت بغصة في حلقها، لكنها لم تقترب… لم تتدخل.
اكتفت فقط بالمراقبة، والاستماع.
ظلّ الصديقان جالسين بصمت بعد حديثهما، يراقبان انعكاس النجوم فوق الماء، بينما كان صوت تدفق النهر يملأ الأجواء. بدا أن كلاً منهما غرق في أفكاره الخاصة.
وفجأة، وقف ريك بسرعة، وعيناه متسعتان بصدمة.
"مستحيل…" همس بصوت بالكاد يُسمع.
نظر أليكس إليه بقلق وهو ينهض أيضًا: "ما بك، ريك؟"
ظل ريك صامتًا لثوانٍ، وكأنه يحاول استيعاب ما رآه، ثم التفت نحو أليكس وقال بصوت منخفض لكن حاد:
"كان هناك شخص ما…"
"شخص؟ أين؟"
أشار ريك نحو الطرف الآخر من النهر، حيث الأشجار الكثيفة تغطي الأرض المظلمة.
"كان يقف هناك… شخص طويل، عيون حمراء متوهجة، ملابس سوداء، وبشرة شاحبة تمامًا." ابتلع ريقه بصعوبة قبل أن يضيف: "لكنه… اختفى في لحظة."
شعر أليكس بقشعريرة باردة تسري في جسده، لكنه لم يرد إثارة الذعر دون تأكد. نظر نحو الضفة الأخرى، لكن الظلام كان كثيفًا، ولم يكن هناك أي أثر لأي شيء أو أي شخص.
لكن قبل أن يتمكن من الرد، ظهرت فجأة ساندرا من بين الأشجار، تتجه نحوهما بسرعة.
"ها أنتما! لقد كنت أبحث عنكما."
نظر كلاهما إليها، ولاحظ أليكس أنها بدت متوترة قليلاً، وكأنها تحاول إخفاء شيء ما.
اقتربت منهم أكثر وأضافت بصوت منخفض: "وأيضًا… أعتقد أنني رأيت شيئًا يتحرك على الضفة الأخرى من النهر."
تبادل أليكس وريك نظرات قلقة. إن كانت ساندرا قد لمحت شيئًا أيضًا… فربما ما رآه ريك لم يكن مجرد تخيلات.
عاد الثلاثة بسرعة إلى المخيم، وكل منهم غارق في أفكاره. كان القلق واضحًا على وجوههم، خاصة ريك الذي ظل يلتفت خلفه كل بضع ثوانٍ وكأنه يتوقع أن يرى ذلك المخلوق ثانية.
عندما اقتربوا من موقع مجموعتهم، وجدوا إيفا مستلقية على العشب، عيناها مثبتتان على شاشة هاتفها، بينما كان نيكي يجلس بجانبها، يقرأ كتابًا بتركيز واضح.
رفع نيكي عينيه عند سماع خطواتهم، وسأل: "ما الأمر؟ تبدون وكأنكم رأيتم شبحًا."
نظرت إيفا إليهم، ثم إلى ريك الذي بدا متوترًا بشكل واضح، فرفعت حاجبها وقالت بمزاح: "لا تقل لي أنك خفت من صرصور أو شيء كهذا؟"
لكن أليكس تجاهل مزاحها وجلس على الأرض بجانبهم، ثم قال بصوت جاد: "ريك رأى… شيئًا غريبًا على الضفة الأخرى من النهر."
توقفت إيفا عن اللعب بهاتفها وجلست معتدلة، بينما وضع نيكي كتابه جانبًا وأصبح أكثر انتباهًا.
"ماذا رأيت بالضبط؟" سأل نيكي، نبرة صوته تعكس اهتمامه.
تنهد ريك وقال: "كان شخصًا، أو ربما شيئًا آخر… طويل القامة، عيون حمراء متوهجة، ملابس سوداء، وبشرة شاحبة. كان يقف هناك يحدق نحونا، لكنه اختفى بمجرد أن رمشت عيني."
تبادل نيكي وإيفا نظرات قلقة، بينما عقّبت ساندرا: "أنا أيضًا رأيت شيئًا يتحرك في الظلام هناك."
صمتت المجموعة للحظة، حتى قالت إيفا بتردد: "قد يكون مجرد صياد أو شخص من سكان المنطقة، أليس كذلك؟"
لكن ريك هز رأسه: "لا… كان هناك شيء غريب بشأنه، لم يكن بشريًا تمامًا."
لم يرد أحد على ذلك، لكن التوتر بدأ يتسلل إلى الأجواء. حتى نيكي، الذي لم يكن من النوع الذي يصدق الأمور الغامضة بسهولة، شعر بشيء غير مريح في كلمات ريك.
وأخيرًا، تنهد أليكس وقال: "مهما كان، من الأفضل أن نبقى معًا خلال الليل وألا نبتعد عن المخيم."
هزّ الجميع رؤوسهم موافقين، لكن لم يستطع أي منهم التخلص من الشعور بأن شيئًا مريبًا يحيط بهم…
في اليوم التالي، كان نشاط التجديف في النهر هو الحدث الأبرز في جدول الرحلة.
وقف الطلاب على ضفاف النهر، يستمعون إلى تعليمات المدرب حول كيفية استخدام المجاديف، وكيفية التنسيق مع زملائهم للحفاظ على توازن القارب.
"يجب أن تتعاونوا مع بعضكم البعض، وأي خطأ في التجديف قد يجعلكم تنقلبون في الماء، لذا كونوا حذرين!" قال المدرب بنبرة تحذيرية، بينما ألقى نظرة سريعة على المجموعات.
ريك وأليكس كانا في نفس القارب، بينما كانت إيفا وساندرا في قارب آخر، ونيكي مع طالب من الطلاب الآخرين.
مع انطلاق القوارب في الماء، بدأ الجميع يجدفون بحماس، مستمتعين بالهواء النقي والهدوء الذي يميز هذا المكان.
لكن حين اقترب قارب ريك وأليكس من المنطقة التي رأى فيها ريك المرأة ذات العيون الحمراء، تجمد للحظة.
شعر بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري، وعاد إليه المشهد الذي رآه الليلة الماضية…
ذلك الظل الطويل، الملابس السوداء، العينان الحمراوان المتوهجتان وسط الظلام.
شد قبضته على المجداف، بينما لاحظ ألكس تغير تعابير وجهه.
"ريك؟ هل أنت بخير؟" سأل أليكس، وهو يحاول معرفة سبب توتره المفاجئ.
نظر ريك بسرعة إلى الضفة الأخرى…
لم يكن هناك شيء.
لكن شعورًا غريبًا ظل عالقًا في داخله، وكأن هناك شيئًا ما يراقبهم من بين الأشجار.
ابتلع ريقه وقال بصوت خافت: "هذا هو المكان الذي رأيت فيه تلك المرأة الليلة الماضية…"
أليكس حدق إلى الضفة الأخرى، عيناه تراقبان الأشجار الكثيفة، لكنه لم يرَ شيئًا غير طبيعي.
"ربما كانت مجرد ظلال أو وهم بصري… أو ربما شخصًا عاديًا مر من هناك." قال محاولًا تهدئة صديقه.
لكن ريك لم يكن مقتنعًا… كان هناك شيء مريب في هذا المكان، وهو متأكد أن ما رآه لم يكن مجرد وهم.
وبينما استدار للتركيز على التجديف مرة أخرى، شعر بشيء غريب… كما لو أن هناك عينين ما تزالان تراقبانه من بين الأشجار.
بعد انتهاء نشاط التجديف، قرر أليكس ورفاقه التجول قليلاً قرب المخيم، مستمتعين بالهواء العليل وأشعة الشمس المتسللة من بين الأشجار.
لكن أثناء سيرهم في أحد الممرات الترابية، لمحوا رجلاً عجوزًا يقود كلبه، كان نفسه كريس الذي التقاه أليكس و نيكي قبل يومين.
"أليس هذا هو العجوز كريس.... الذي حذرنا من الكهف؟" تمتم نيكي بصوت منخفض، وهو يراقب كريس الذي بدا منشغلًا بتمشية كلبه.
اقتربت المجموعة بحذر، فكان أليكس هو أول من تحدث:
"مرحبًا مجددًا، أيها العم كريس… كنا نود سؤالك عن ذلك التحذير الذي أخبرتنا به عن الكهف."
توقف كريس عن المشي وحدّق بهم للحظات، ثم أطلق تنهيدة ثقيلة. "ما زلتم هنا؟ كان عليكم المغادرة منذ أن أخبرتكم أول مرة."
نظر الرفاق إلى بعضهم البعض في حيرة، قبل أن يسأله ريك مباشرة:
"هل تعرف شيئًا عن امرأة ذات عيون حمراء؟ رأيتها البارحة قرب النهر."
في اللحظة التي سمع فيها كريس هذه الجملة، اتسعت عيناه وارتبك بشدة، شاحبًا وكأنه رأى شبحًا.
"يا إلهي… إنها ظهرت مجددًا…" تمتم كريس وهو يضع يده على فمه، وكأنه أدرك أنه قال أكثر مما ينبغي.
زاد هذا من قلق المجموعة، فتقدمت ساندرا خطوة للأمام وسألته بحذر:
"من هذه المرأة؟ وما الذي يحدث هنا بالضبط؟"
لكن العجوز كريس نظر إليهم بجدية، وصوته كان هذه المرة محمّلًا بالتحذير والخوف الحقيقي:
"يجب أن ترحلوا من هنا… حالًا! الليلة اكتمال القمر… وإن بقيتم هنا، فقد لا تتمكنون من المغادرة أبدًا."
حاول أليكس استجوابه أكثر، لكن العجوز كريس رفع يده مقاطعًا إياهم، وصوته كان أكثر صرامة:
"إذا كان منكم من يرغب بالعودة إلى بيته سالمًا، فمن الأفضل له أن يغادر قبل منتصف الليل."
ثم أمسك بمقود كلبه، واستدار ليغادر بسرعة، تاركًا المجموعة في صمت مشحون بالتوتر والقلق.
نظر ريك إلى البقية بوجه جاد وقال: "هذا الرجل لم يكن يمزح… هناك شيء خطير يحدث هنا."
وسط أجواء الليل الهادئة، وبينما الجميع يستعد للنوم بعد يوم طويل، كان نيكي يفتش في حقيبته بقلق متزايد.
"لا… مستحيل…" تمتم بصوت منخفض وهو يبحث بين أغراضه بعصبية.
لاحظت إيفا توتره، فاقتربت وسألته: "ما الأمر، نيكي؟"
رفع رأسه وعيناه متسعتان بقلق: "كاميرتي… كاميرا جدي! لقد اختفت!"
انتبه الجميع لكلامه، وتجمعوا حوله بسرعة.
"هل أنت متأكد أنك لم تضعها في مكان آخر؟" سأل ألكس.
"بحثت في كل مكان، كانت هنا قبل العشاء!" أجابه نيكي بإحباط.
في تلك اللحظة، انطلقت ضحكة ساخرة من الجهة المقابلة، حيث كان ماكسين ورفاقه يجلسون مسترخين.
"تبحث عن هذه؟" رفع ماكسين هاتفه ليُريهم صورة لكاميرا نيكي مدفونة في التربة بجانب شجرة غريبة الشكل.
اتسعت عينا نيكي، واقترب بغضب: "أعدوها لي، الآن!"
ضحك فيكتور وهو يعقد ذراعيه: "أوه، لا تقلق. لم نكسرها، فقط أضفنا إليها عنصر المفاجأة! إنها مدفونة بجانب شجرة غريبة في وسط الغابة. إذا كنتَ شجاعًا، يمكنك استعادتها!"
توتر الجو فجأة، خاصة بعد تحذيرات الرجل العجوز بشأن الغابة والكهف.
"هل أنتم جادّون؟ بعد كل ما سمعناه عن هذا المكان، قررتم أن تلعبوا بهذه الطريقة؟" قالت ساندرا بحدة.
لكن ماكسين اكتفى بهز كتفيه بلا مبالاة: "إذا كنت خائفًا، يمكنك نسيانها. لكني أعتقد أن جدك لن يكون سعيدًا بذلك."
قبض نيكي يديه بغضب، لكنه سرعان ما استدار واتجه نحو الغابة.
"نيكي، انتظر!" هرعت إيفا خلفه، وسرعان ما تبعه ألكس، ريك، وساندرا.
أما ماكسين، فيكتور، وتانيكا، فقد تبادلوا نظرات متآمرة، ثم تبعوهم بصمت، يخفي كل منهم ابتسامة خبيثة.
---
داخل الغابة، تحت ضوء القمر البارد، كانت الأشجار تتمايل مع الرياح الخفيفة، تصدر أصوات خشخشة زادت من توتر المجموعة.
كان نيكي يسير أمامهم بسرعة، مصممًا على استعادة كاميرته.
"نيكي، هل أنت متأكد من هذا؟ ربما يجب أن ننتظر حتى الصباح." قالت ساندرا بتردد.
لكنه لم يتوقف، بل أجاب بإصرار: "إنها الكاميرا الوحيدة التي أملكها… وهي هدية من جدي، لا يمكنني تركها!"
بعد دقائق من السير، وصلوا إلى المكان الذي وصفه ماكسين…
كانت هناك شجرة غريبة الشكل، ملتوية الأغصان، تبدو محترقة كما لو أصابتها صاعقة.
توقف نيكي أمامها، ثم بدأ بالحفر بيديه في المكان الذي أظهرت الصورة أنه مدفون فيه.
في تلك اللحظة… بدأت همسات غريبة تتردد في الهواء.
أنفاس مخيفة… خشخشة أوراق… كأن شيئًا يتحرك بين الأشجار.
تجمد الجميع في أماكنهم، ونظرت إيفا حولها بقلق.
"هل… هل سمعتم ذلك؟" تمتمت.
لكن نيكي، رغم توتره، أكمل الحفر بحماس… حتى أخرج الكاميرا المغطاة بالتراب.
وفجأة… انهالت عليه مجموعة من الثعابين السوداء الصغيرة، تتلوى وتسقط مباشرة على رأسه وكتفيه.
"آآآآآآاااه!!!!"
انطلق صراخ نيكي عالياً، بينما صرخت إيفا وساندرا أيضًا برعب.
أسرع ألكس وريك لمساعدته، لكن ما إن اقتربا، حتى لاحظ ريك شيئًا غريبًا…
"لحظة… هذه ليست حقيقية!"
مدّ يده وأمسك بأحد الثعابين، ليكتشف أنها مجرد ثعابين بلاستيكية.
تجمد الجميع، وصمت الصراخ… قبل أن يتردد في الأرجاء ضحك ساخر.
"يااااااه، يا لكم من جبناء!"
استداروا ليجدوا ماكسين، فيكتور، وتانيكا واقفين على مسافة قصيرة، يضحكون ويصفقون بسخرية.
"هل رأيتم وجوهكم؟ خاصة وجهك، نيكي، كنت على وشك الإغماء!" قال ماكسين، يكاد يختنق من الضحك.
بينما كان نيكي ما زال يلهث، تقدمت إيفا نحوهم بسرعة، والغضب يشتعل في عينيها:
"هل أنتم مجانين؟! نحن في وسط الغابة، ليلاً، بعد كل ما سمعناه عن هذا المكان، وتعتقدون أن هذه لعبة؟!"
اكتفى فيكتور برفع كتفيه بلا مبالاة، بينما قالت تانيكا: "أوه، لا تكوني درامية، كان مجرد مزاح!"
نظر إليهم ريك ببرود ثم تمتم: "إذا كنا نحن الجبناء… فما الذي تفعلونه أنتم......مختبئين هناك؟"
لم يرد أيٌّ منهم، لكن ابتساماتهم الساخرة تلاشت قليلًا.
استدار أليكس قائلاً: "لننسحب من هنا، لا فائدة من الجدال مع مجموعة أطفال"
قال بينما يمد يده ليساعد نيكي على الوقوف لكن فجأة سمع كلهم صوت ضحكة... قوية... مخيفة.... لم تكن ضحكة بشري ابدا.
تجمد الجميع في أماكنهم…
ترددت الضحكة المخيفة مرة أخرى، قوية، عميقة، وكأنها تخرج من أعماق الأرض نفسها.
نظر أليكس حوله بحذر، بينما استقام نيكي وهو يسند نفسه عليه.
"بالله عليكم، ألم تملّوا بعد؟" تمتم ريك بنبرة ضجر، عاقدًا ذراعيه.
أضافت ساندرا وهي تنظر إلى ماكسين ورفاقه: "حسنًا، يمكنكم التوقف الآن. لقد فهمنا، أنتم تحبون المقالب."
لكن لم يكن هناك أي ردّ ساخر هذه المرة…
عندما نظروا إلى مجموعة ماكسين، رأوا وجوههم شاحبة، عيونهم متسعة برعب حقيقي.
بل إن فيكتور، الذي كان دائمًا أول من يضحك ويسخر، رفع يديه مستسلمًا وقال بصوت مرتجف: "ل-ليس نحن… أقسم أننا لم نفعل شيئًا!"
لمعت عينا ريك بحدة: "ماذا؟"
لكن قبل أن يتمكن أحدهم من التفكير في الأمر أكثر، تكررت الضحكة، أقرب هذه المرة، وكأنها تحيط بهم من كل جانب.
استشعر نيكي قشعريرة باردة تزحف على عموده الفقري، فخفض رأسه ونظر إلى ساعته…
12:00 منتصف الليل تمامًا.
ابتلع ريقه بصعوبة، ثم رفع عينيه ليهمس بصوت متحشرج: "يا رفاق… لقد حل منتصف الليل…"
ساد الصمت للحظة، ثم انطفأت كل المصابيح التي يحملونها في وقت واحد.
وأصبحوا محاطين بالظلام التام.
لكن فجأة، انقشعت الغيوم عن القمر المكتمل، ليغمرهم ضوءه الفضي القوي، كاشفًا عن تفاصيل المكان من حولهم.
شهق نيكي عندما أدرك أنهم لم يعودوا في ظلام دامس، وبدأ قلبه يهدأ قليلًا…
لكنّ لحظة الاطمئنان لم تدم طويلًا.
وقف ماكسين أمام الجميع، لكن عينيه… عينيه كانتا متسعتين بخوف غير مسبوق.
قطرات العرق بدأت تتصبب من جبينه، ويداه ترتجفان وهو يتراجع ببطء، كما لو أن قدميه فقدتا قوتهما.
رفع إصبعه المرتجف، مشيرًا خلفهم، بينما كان فمه مفتوحًا… لكنه لم يستطع النطق، وكأن لسانه قد تجمد في مكانه.
تانيكا نظرت إليه بقلق، صوتها مبحوح قليلًا من التوتر: "ماكسين... ماذا هناك؟"
فيكتور اقترب منه قليلًا، حاجباه معقودان بقلق: "يا صديقي، هل أنت بخير؟ ما بك؟"
لم يرد ماكسين مباشرة… شفتيه ارتجفتا قليلًا، ثم خرج صوته ضعيفًا، مخنوقًا بالرعب:
"خخ… خ-خلف… خلفكم…!"
تجمدت أنفاس الجميع.
ريك، الذي كان أقربهم إلى الأمام، عقد حاجبيه بارتباك والتفت إليه: "خلفنا؟"
لكنّه لم يكن مستعدًا أبدًا لما رآه عندما استدار…
عينيه توسعتا بصدمة… قلبه قفز إلى حلقه… وبدون وعي، انتفض في مكانه، شهيقه كان مسموعًا بوضوح.
بقية المجموعة، الذين رأوا تعبير الرعب على وجهه، لم يستطيعوا تمالك أنفسهم…
استداروا جميعًا ببطء…
وما رأوه جعل الدم يتجمد في عروقهم.
عند الشجرة المحروقة…
كانت تقف هناك…
المرأة الطويلة ذات العيون الحمراء…
لكنها لم تكن كما رآها ريك في الليلة السابقة… كانت أسوأ.
ملابسها ملطخة بالدماء… لكن الأسوأ أن تلك الدماء لم تكن فقط على ثوبها، بل كانت تنزف من عينيها وفمها، خيوط الدم تسيل ببطء، كأنها تبكي دمًا.
أنيايها الطويلة البارزة لمعَت تحت ضوء القمر…
كان التوهج الأحمر في عينيها أقوى من الليلة الماضية، كأنها شعلة جحيم متقدة.
وكانت… تبتسم.
ابتسامة بطيئة، شريرة، مخيفة…
ثم، ببطء شديد، مرّرت لسانها على شفتيها، كأنها تلعق الدم… كأنها ترى أمامها وجبة لذيذة…
كأنها كانت تنتظرهم.
توقفت أنفاس الجميع… أحدهم كاد يصرخ، لكن الصوت لم يخرج… كانت الصدمة أقوى من أن يستوعبها عقلهم.
لم يكن هذا مقلبًا.
لم يكن هذا كابوسًا.
كان هذا… حقيقيًا.
بقيت المجموعة كل متجمدا في مكانه من هول المنظر الذي امامهم عقولهم تقول ان يهربو...... ان يصرخو..... يفعلو اي شيء...... لكن الدم تجمد في عروقهم قلوبهم تخفق بشدة..... كما لو انهم فقدو قدرتهم على التفكير في تلك اللحظة لكن..... و مع اول خطوة خطتها تلك المخلوقة باتجاههم ذاب جليد الشلل الذي احاطهم.... تحركت اجسادهم باسرع ما لديهم بدؤو يركضون في الغابة.... يهربون من المسخ الذي يطاردهم..... املين ان يجدو من ينقذهم.
كانت ساندرا تركض بخوف كبير لكنها كانت ابطأهم اذ بالكاد كانت ترى رفاقها امامها كانت تحس بالوحش خلفها و تشعر ان يدها الطويلة ستمسكها في ايت لحظة و بينما هي تجري تعثرت و سقطت ارضا و هنا نعود الى مشهد بداية القصة حيث التفتت ساندرا الى المسخ الذي خلفها و عينيها تحملان كلما يعنيه الخوف من معنى و هي ترى ذاك الوحش المشوه يقف خلفها مباشرة حتى انها كانت تقدر على سماع انفاسها الجافة
رفعت تلك المخلوقة الشنيعة يدها مظهرة مخالبها الطويلة و مستعدة لتفتك بالفتاة التي امامها وسط صرخات رفاقها باسمها و عندما كانت مخالب المسخ ستنزل على ساندرا....
_ صوت اطلاق نار _
اصيبت تلك المخلوقة بطلقة في راسها جعلت جسدها يرجع الى الخلف لتسقط جثة على الارض...
التفتت ساندرا و رفاقها الى مطلق النار فاذا به العجوز كريس.... حاملا بندقيته بين يديه و ما يزال مصوبا على الوحش
تسمرت ساندرا في مكانها، أنفاسها متقطعة وعيناها معلقتان بجسد المرأة الملقاة على الأرض. بدا وكأن الزمن تجمد للحظة، وكأن الصمت المخيف الذي خيّم على المكان كان يسبق العاصفة.
لكن العجوز كريس لم يمنحها فرصة للتفكير، صرخ بصوت غاضب ومليء بالإلحاح:
"اهربي الآن! لم تمت بعد!"
توسعت عيناها بصدمة، نظرت إلى الجسد الساكن أمامها، إلى الدم الأسود القاتم الذي تسرب من جبهتها حيث اخترقت الرصاصة رأسها. كان يجب أن تكون ميتة… كان يجب أن ينتهي هذا الكابوس الآن…
لكن فجأة، وسط صدمة الجميع، تحركت أصابع المرأة ببطء… ثم بدأت يداها ترتعشان بعنف، وصدرها يرتفع وينخفض كما لو أنها تستعيد أنفاسها.
"يا إلهي… إنها تنهض!"
صاحت إيفا بفزع، بينما تراجع ريك وأليكس إلى الخلف، عيونهما مصدومة تمامًا.
انحنى كريس بسرعة، سحب خرطوشة أخرى من جيبه وأعاد تلقيم بندقيته بيد خبيرة، بينما كان يثبت نظره على المخلوقة التي بدأت تتحرك من جديد.
تمتم فيكتور، صوته يختنق بالخوف: "هذا… مستحيل!"
لكن المستحيل أصبح واقعًا حين فتحت المرأة عينيها مجددًا. كان اللون الأحمر الذي يشع منهما أكثر توهجًا، والغضب المتوحش فيهما جعل الرعب يتجذر في قلوب الجميع.
ثم… ابتسمت.
ابتسامة واسعة، غير طبيعية، كشفت عن أنيابها الحادة وهي ترفع رأسها ببطء وتنظر مباشرة إلى كريس.
"أخطأت هذه المرة، أيها العجوز."
بصوتها العميق المثير للقشعريرة، تمتمت بهذه الكلمات قبل أن تندفع نحوه بسرعة غير بشرية، مخالبها موجهة نحوه مباشرة!
بسرعة خاطفة، سحب كريس قارورة بنزين كانت معلقة بحزامه الجلدي، وبدون تردد رماها أمام المرأة المتوحشة. سقطت القارورة على الأرض، وانسكب منها السائل سريع الاشتعال مكوِّنًا بركة صغيرة عند قدميها.
"احترقي أيتها اللعينة!"
أطلق العجوز طلقة مباشرة من بندقيته نحو البنزين. انفجرت النيران فجأة، صانعة حلقة من اللهب حول المرأة.
تعالت صرختها الحادة، ليس من الألم ولكن من الغضب والخوف. تراجعت إلى الخلف، جسدها ينتفض بينما اشتدت ألسنة اللهب حولها. بدا وكأن النار لم تلمسها بعد، لكنها كانت تخشاها، تخافها كما لو أنها أكبر نقطة ضعف لها.
تجمد الجميع في أماكنهم، عيونهم متوسعة بالرعب، يراقبون كيف كانت المرأة تصرخ وتزمجر وسط النيران التي تحاصرها. كان صوتها أشبه بعواء وحش جريح، صوت جعله الخوف أكثر رعبًا من أي شيء سمعوه في حياتهم.
لكن كريس لم يضيع ثانية واحدة. التفت إلى المجموعة المرتعبة، أمسك بذراع ساندرا وسحبها بعنف كي تنهض.
"لا تقفوا هناك! اركضوا خلفي!"
لم يحتاجوا إلى أمر آخر، بدأوا جميعًا بالجري خلف العجوز، أقدامهم تتخبط بين الجذور والأوراق الجافة بينما أصوات اللهب تزمجر خلفهم.
كان كريس يقودهم عبر الغابة، يتحرك بثقة رغم الظلام وكأنه يعرف المكان جيدًا. لم يكن لديهم أدنى فكرة إلى أين يأخذهم، لكن أي مكان كان أفضل من البقاء هناك مع ذلك الكابوس الحي.
أخيرًا، بعد دقائق من الركض اللاهث، ظهر أمامهم كوخ خشبي قديم وسط الأشجار.
"ادخلوا بسرعة!"
فتح كريس الباب ودفعهم جميعًا إلى الداخل قبل أن يغلقه بإحكام، وقف الجميع في الداخل، أنفاسهم متقطعة وصدورهم ترتفع وتهبط بسرعة، وجوههم شاحبة وكأنهم لا يزالون غير مصدقين لما حدث.
أما كريس، فوقف بجانب النافذة، نظر إلى الغابة المظلمة بعينين حادتين وهو يتمتم بصوت منخفض:
"لم تنتهِ القصة بعد…"
كان نيكي جالسًا في زاوية الغرفة، جفناه يرتجفان ويداه متمسكتان بقميصه وكأنه يحاول التمسك بواقعه، بينما كان فيكتور يلهث، يدس وجهه بين يديه محاولًا استيعاب ما حدث. جلست تانيكا بينهما، وضعت يدها على كتف كل منهما وحاولت تهدئتهما بلطف:
"أنتم بخير… نحن بأمان الآن… كل شيء انتهى، حسنًا؟"
لكنها لم تكن واثقة من كلماتها، فما زالت أصوات صراخ ذلك الشيء تتردد في أذهانهم، وما زالوا يشعرون بأن الخطر لم ينتهِ بعد.
على الجانب الآخر، جلست إيفا بجانب ساندرا، تفحصت ذراعها التي أصيبت أثناء سقوطها. "ليس جرحًا عميقًا، لكن علينا تنظيفه… لقد كنتِ محظوظة." قالت إيفا، بينما كانت عيناها تعكسان القلق والارتياح في آنٍ واحد.
تحدث أليكس أخيرًا، موجّهًا نظره نحو العجوز كريس: "ماذا كان ذلك الشيء؟ لم يكن… لم يكن إنسانًا."
تنهد كريس، وقف واتجه نحو أحد الأرفف القديمة، حيث أخرج تميمة فضية على شكل نجمة دائرية، وأخذ سلسلة معدنية ولفها حول قفل الباب، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.
ثم أشار إلى الشموع السوداء الموجودة في زوايا الغرفة، والتي كانت تحتوي على رؤوس ثوم مثبتة عليها. "أشعلوها. هذا المكان سيبقى آمنًا طالما النار مشتعلة والفضة تغلق الباب."
تحرك الجميع بسرعة، أشعلوا الشموع كما طلب منهم كريس، بينما كان هو يسحب كرسيه الخشبي القديم ويجلس عليه بهدوء، وكأن ما حدث قبل لحظات لم يكن سوى مشهد آخر في قصة طويلة قد اعتاد عليها.
نظر إلى الرفاق بعينين جادتين، ثم بدأ يحكي القصة بصوت خافت لكن قوي، صوت يحمل في نبراته عبق الماضي:
—
"قبل 150 سنة، لم تكن هذه الغابة كما ترونها الآن. كانت قرية صغيرة تعيش هنا، حيث كان الناس يكافحون ليعيشوا حياتهم ببساطة وسط هذه الطبيعة القاسية."
"في تلك القرية، كانت هناك امرأة فقدت زوجها، لم يكن لديها أحد سوى ابنتها الصغيرة، التي كانت كل عالمها. لكنها لم تكن طفلة عادية… لقد كانت مريضة، مريضة جدًا. مرض السل كان ينهش جسدها الصغير، وكانت الأم ترى حياتها تتلاشى أمامها يومًا بعد يوم، دون أن تستطيع فعل شيء."
"وفي أحد الأيام، بينما كانت الأم تجلس عند سرير طفلتها، تمسح العرق البارد عن جبينها، جاءت امرأة غريبة إلى القرية. كانت ساحرة."
"عرضت عليها صفقة… يمكنها إنقاذ ابنتها، لكن بثمن."
ارتجف نيكي، وكأن حدسه قد أخبره أن النهاية لن تكون سعيدة. ابتلع ريقه وهو يستمع بينما واصل كريس حديثه:
"كانت الصفقة واضحة… الفتاة ستعيش، ستشفى من مرضها، لكنها لن تعود بشرية بعد الآن."
"لم تكن الأم قادرة على التفكير بمنطق، كان كل ما يهمها هو إنقاذ طفلتها، فوافقت."
توقفت أنفاس الجميع للحظة، وكأنهم يخشون سماع ما سيأتي بعد ذلك.
"وفعلًا، شُفيت الطفلة. لكنها تغيرت."
"طالت أطرافها، أصبح لونها شاحبًا، وبدأت أنيابها بالظهور. لكن التغير لم يكن جسديًا فقط… سلوكها أيضًا بدأ يتحول. أصبحت عدائية… لم تحب النور، كانت تكره النار، وكانت ترفض الاقتراب من أي شخص غير أمها."
"أصبح أهل القرية يخشونها، يتجنبونها، يتهامسون خلف ظهرها… كانوا يقولون إنها طفلة ملعونة."
تبادلت المجموعة النظرات، كأنهم بدأوا يدركون شيئًا مرعبًا.
"ولم يكن هذا كل شيء. بعد خمس سنوات، جاء يوم تحولها الأخير… ليلة اكتمال القمر."
ارتجف أليكس، بينما أغمضت تانيكا عينيها، وكأنها لا تريد أن تسمع المزيد.
"استيقظت الأم على صرخات أهل القرية… وعندما خرجت، رأت الجحيم بعينه."
"كانت ابنتها واقفة في وسط الساحة، وسط بركة من الدماء، حولها جثث ممزقة، تمسك رأس أحد الرجال في يدها، والدم يسيل من فمها."
وضعت ساندرا يدها على فمها، بينما تجمدت دماء إيفا في عروقها.
"انهارت الأم، لم تصدق ما كانت تراه. أما أهل القرية، فقد كانوا قد اتخذوا قرارهم… أمسكوا بالمشاعل، وطاردوها حتى حاصروها عند شجرة في منتصف الغابة… وأحرقوها هناك."
مرّت لحظة صمت ثقيلة، كأن الجميع استشعر ألسنة اللهب التي التهمت الطفلة، وكأن صرخاتها لا تزال تتردد عبر الزمن.
لكن كريس لم ينتهِ بعد.
"لكن القصة لم تنتهِ هناك."
رفع رأسه، نظراته أصبحت أكثر ظلمة وهو يقول:
"ظهرت الساحرة مرة أخرى، عندما كانت الأم تبكي على رماد ابنتها… سحبت قلب الفتاة من بين الرماد، وكان لا يزال سليماً."
ارتفع حاجبا فيكتور بصدمة، بينما سأل نيكي بصوت شبه مبحوح: "ما… ماذا فعلت به؟"
"أجرت عليه تعويذة أخرى… تعويذة أعادتها للحياة، لكن ليس كإنسان."
وقف كريس، مشى نحو النافذة ونظر إلى الغابة المظلمة، ثم قال بصوت منخفض لكنه حمل رعبًا يفوق كل شيء سمعوه:
"دُفنت جثتها وقلبها في أعماق الكهف القريب من تلك الشجرة… ومنذ ذلك الحين، تعود للحياة كل خمس سنوات… في الأسبوع الذي يكتمل فيه القمر."
أصبح الصمت ثقيلًا، لا أحد استطاع التحدث، لا أحد استطاع حتى أن يتنفس بسهولة.
تلاقت نظراتهم جميعًا، وبينهم كانت الحقيقة المرعبة ترتسم بوضوح.
الشجرة المحروقة… اكتمال القمر… الدماء على ملابسها…اعينها الحمراء.... وجهها المشوح... و بشرتها الشاحبة...
ذلك الوحش الذي طاردهم… لم يكن إلا طفلة... ضحية لهذا العالم القاسي.
"لكن..... انت كيف تعرف كل هذه الامور" سال ريك بعد دقائق من الصمت.
نظر كريس إلى ريك للحظات، ثم أطلق ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن ضحكة سعادة… بل كانت مليئة بالمرارة.
"سؤال جيد." قال وهو ينهض من كرسيه ببطء، متوجهًا نحو المدفأة. وقف هناك للحظة، يحدق في النيران المتراقصة كأنه يرى شيئًا في ماضيه.
ثم تابع بصوت هادئ لكنه مثقل بالذكريات: "أنا أعرف هذه الأمور لأنني… كنت هناك."
ارتجف قلب الجميع عند كلماته. تبادلوا النظرات قبل أن يعودوا للنظر إليه، منتظرين سماع القصة.
"كنت هناك، قبل خمسين سنة، عندما ظهرت لأول مرة بعد قرن من حرقها. كنت في مثل سنكم تقريبًا، مراهقًا غبيًا يظن أن العالم ليس فيه ما يخيفه. كنا مجموعة من الأصدقاء… تمامًا مثلكم."
جلس كريس على كرسيه مجددًا، وأغمض عينيه للحظة، وكأنه يجمع شتات أفكاره.
"قررنا أن نستكشف الغابة في ليلة اكتمال القمر. كنا نسمع القصص، لكننا لم نؤمن بها. قلنا إنها مجرد خرافات يرويها الكبار ليبقونا بعيدًا عن الغابة. لكن في تلك الليلة… عرفنا الحقيقة."
أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتح عينيه وحدق فيهم بجدية:
"لقد وجدتنا. لم نكن نعرف ما هي في البداية، لم نرَ سوى ظل طويل وعينين حمراوين تلمعان في الظلام. ثم… بدأت المطاردة."
شد ماكسين قبضتيه بقوة ، بينما عض ريك شفتيه بقلق.
"لم نكن محظوظين مثلكم… لم يكن هناك من ينقذنا." صوته أصبح أضعف، وكأن الذكرى كانت تخنقه. "رأيتها تقتل صديقاي أمامي. لم يكن هناك وقت حتى للصراخ… فقط… الدم، والعيون الفارغة، وصوت العظام وهي تُكسر."
تسارعت أنفاس نيكي، بينما وضعت إيفا يدها على كتفها لتهدئتها.
"كيف نجوت؟" سأل أليكس بصوت خافت.
نظر إليه كريس، ثم أجاب: "هربت. كنت جبانًا… ركضت حتى لم أعد أشعر برجليّ، ولم أتوقف إلا عندما انهرت أمام باب كوخ صياد عجوز. هو من أنقذني، أخذني إلى الداخل، أشعل شموع الثوم، ووضع التمائم، تمامًا كما فعلتُ معكم."
حك فيكتور مؤخرة راسه محاولا استيعاب الوضع، ثم قال "حسنا.... لكن لقد هربنا منها..... اذا نحن بامن الان... اليس كذلك"
"لا" اجاب كريس باختصار.
"لا... ما قصدك" تساءل نيكي بخوف.
"انها ما تزال في الخارج تنتظرنا حتى نخرج.... و الاصح ان تعلمو انها لن تسمح لكم بالخروج من الغابة احياء" اوضح كريس.
"اذا... ما... ما العمل الان... هل نبقى محبوسين هنا ننتظر موتنا فقط" قالت تانيكا.
نظر كريس إلى النار المشتعلة، وكأنه يعود بذاكرته إلى شيء قديم، شيء حاول نسيانه لكنه لم يستطع.
"هناك طريقة واحدة… "
توجهت كل العيون نحوه فورًا، الترقب والخوف يملآن القلوب.
رفع كريس نظره نحوهم، ثم قال ببطء، كأن كل كلمة كانت تحمل وزن سنوات من الرعب
"حل واحد فقط.... ان قمتم به فسينتهي هذا الكابوس" قال كريس
"ما هو؟! " تمتم اليكس.
اخذ كريس نفسا، ثم نظر الى المجموعة باعين جاد و قال"عليكم الذهاب إلى الكهف… واستخراج قلبها."
شهقت ساندرا: "ماذا؟!"
تابع كريس بصوت هادئ لكنه يحمل صرامة: "قلبها هو مصدر قوتها. الساحرة لم تجعلها خالدة تمامًا، بل ربطت حياتها بقلبها المدفون. طالما بقي هناك، ستستمر في العودة كل خمس سنوات. لكن إذا دمرتموه…"
أكمل فيكتور بصوت ضعيف، كأنه بالكاد يصدق ما يقوله: "ستنتهي لعنتها… وسترتاح أخيرًا."
أومأ كريس.
"هل.. هل انت واثق من ان هذا هو الحل الوحيد" تساءل ماكسين بشيء من القلق.
ساد الصمت للحظات قبل أن يتابع كريس: "بعد تلك الليلة، لم استطع العودة إلى حياتي الطبيعية. كنت أعرف أن الوحش هناك، وأنه سيعود. لذا قررت البقاء، درست كل شيء عن اللعنة، عن الكهف، وعن قلبها المدفون. لكن…"
تردد للحظة، ثم قال بصوت حزين: "لم أستطع فعلها."
ضاقت عينا ريك: "لماذا؟ إذا كنت تعرف كيف تنهي اللعنة، لماذا لم تفعل؟"
نظر إليه كريس نظرة حملت مئة شعور مختلف… الحزن، الذنب، العجز.
"لأنني لم أكن أملك الشجاعة الكافية. لم أستطع العودة إلى ذلك الكهف وحدي، لم أستطع مواجهة ذلك الشيء مرة أخرى. لقد بقيت هنا… أعيش مع خوفي، محاولًا أن أبقي الآخرين بعيدًا عن الغابة. لكن كما ترون، لم يكن ذلك كافيًا."
ابتلع الجميع ريقهم بصعوبة. كانت كلماته قاسية، لكنها حقيقية.
قال ماكسين بعد لحظة: "لكن… إذا كنت لم تستطع فعلها من قبل، فما الذي يجعلك تعتقد أننا سننجح؟"
ابتسم كريس ابتسامة خفيفة، لكن لم يكن فيها أثر للمرح.
"لأنكم لستم وحدكم. أنتم معًا، وهذا يعني أن لديكم فرصة."
ثم نهض من مكانه، ونظر إليهم جميعًا بحزم:
"السؤال الآن… هل ستفعلون ما لم أتمكن من فعله؟ هل ستنهون هذه اللعنة… أم ستصبحون ضحاياها؟"قال كريس.
ساد الصمت مرة أخرى. لم يكن أحد يتحدث، لكنهم جميعًا كانوا يعرفون… لم يكن أمامهم خيار آخر.
أليكس، الذي كان أكثرهم هدوءًا حتى الآن، مرر يده على وجهه وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول: "حسنًا… إذا كان هذا ما يجب علينا فعله، فليكن."
رفعت إيفا حاجبها بدهشة: "هل أنت جاد؟ تريد أن تذهب إلى كهف مليء بالسحر الأسود وتنتزع قلب وحش خالد؟"
نظر إليها أليكس بعينين جادتين: "هل لديكِ خيار آخر؟ البقاء هنا لن يحمينا للأبد. إذا لم نتصرف، فإنها ستعود… وربما في المرة القادمة لن تتركنا نذهب."
تحولت الأنظار نحو كريس مجددًا.
"أين يقع هذا الكهف؟" سألت ساندرا، رغم أن صوتها كان خافتًا.
أشار كريس بيده نحو النافذة، إلى عمق الغابة حيث لا يصل ضوء القمر سوى كأشباح باهتة بين الأشجار المتشابكة.
"هناك… بجوار الشجرة المحروقة."
تحت وهج الشموع المضيئة وسط الظلام الثقيل، مدت ساندرا يدها بلطف نحو أخيها وإيفا ونيكي، فجمعوا أيديهم فوق يدها متحدين في لحظة من الثقة والتحدي. انضم إليهم ريك بخطوات واثقة، وبرغم تردد تانيكا وفيكتور، لم يستطيعا مقاومة الإحساس بالانتماء، فانضمّا بدورهما إلى الدائرة الصغيرة.
تلاقت أنظارهم مع ماكسين، الذي رفع كتفيه بتنهيدة طويلة، ثم قال بصوت حازم:
"حسنًا، إذاً لنفعلها."ليجمع يده مع ايدي باقي المجموعة.
"حسنا برغم..كل الخلافات التي كانت بيننا سابقا....الا اننا الان في هذا معا....و سنخرج منه معا "قال اليكس ليومئ الثلاثة الاخرين
"اذا الن تعطيهم القابا..ايفا " قال ريك
"اجل.... ماكسين ماكس، فيكتور فيكو و تانيكا تانيا"قال ايفا.
ارتسمت على وجوه الثلاثة ملامح من الدهشة والارتباك في البداية، لكن سرعان ما خفّ تأثير الاستغراب؛ إذ بدا أن الألقاب قد لمست شيئًا بداخليهم، فلا يمكنهم إنكار أنها أعجبتهم وأضفت روحًا جديدة على لحظتهم المشتركة.
بينما كان الجميع يتبادلون النظرات بعد منح الألقاب الجديدة، انطلق ضحك كريس فجأة، ضحكة دافئة لكنها حملت في طياتها شيئًا من الحنين. نظر إليه الرفاق باستغراب، فسأله ماكس:
"ما المضحك؟"
هز العجوز رأسه وهو يبتسم قليلًا وقال:
"لا شيء... فقط ذكّرتموني برفاقي القدامى. هم أيضًا كانوا ينادونني باسم مستعار."
نظر إليه الجميع بدهشة، فتساءلت تانيا بفضول قائلة "أتعني أن كريس ليس اسمك الحقيقي؟"
عندها رفع فيكو حاجبه وسأله مباشرة "إذًا ما اسمك الحقيقي؟"
تنهد العجوز ونظر إليهم بعينين مثقلتين بالذكريات، ثم قال بصوت هادئ "اسمي الحقيقي هو كريستوفر."
ساد الصمت للحظة، كأن الجميع استوعب أن هذا الرجل قد عاش أكثر مما تخيلوا، فقدَ أشخاصًا أعزاء عليه، وحمل ذكراهم حتى في أبسط التفاصيل... حتى في اسمه.
وقف كريس واتجه إلى خزانة خشبية قديمة في زاوية الكوخ. فتحها ببطء، فأحدثت صريرًا مزعجًا، ثم بدأ بإخراج مجموعة من الأسلحة ووضعها على الطاولة أمام الرفاق.
"إذا كنتم مصرّين على تنفيذ هذه الخطة المجنونة، فعلى الأقل لا تذهبوا إلى هناك بدون استعداد." قالها بصوت جاد، بينما كان يوزع الأسلحة.
- إلى ساندرا: سكين صيد كبير ذو نصل فضي حاد. "هذا قد لا يقتلها، لكنه سيبطئها. الفضّة تحرق جلدها."
- إلى ريك: قوس وسهام برؤوس معدنية مغلفة بعجينة من الثوم والرماد. "سهامك هذه قد تزعجها كثيرًا، وربما تبعدها عنكم لبعض الوقت."
- إلى تانيا: شعلة صغيرة مع قداحة. "لا شيء يؤلمها أكثر من النار. استخدميها بحكمة."
- إلى إيفا: قارورة صغيرة مليئة بسائل مقدس. "رشّي هذا عليها إن اقتربت منكِ أكثر مما يجب."
- إلى اليكس: سيف قصير ذو نصل قوي. "احمله للدفاع عن نفسك، لا تحاول قتالها مباشرة."
- إلى نيكي وفيكو: كل منهما حصل على عصا خشبية صلبة مغطاة بغبار الفضة. "هذه ليست مثالية، لكنها قد تمنحكم فرصة للهروب."
-الى ماكس: مسدس برصاصات فضة "هذه تشل حركتها لوقت محدد.... اذا عرفت اين تصيبها"
نظر كريس إليهم بجدية قائلاً: "هذه الأسلحة لن تقتلها، لكنها ستمنحكم الوقت. لا تترددوا في استخدامها إن حاولت إيقافكم."
أخذ الجميع أسلحتهم، وأحسوا بثقل المهمة أكثر من أي وقت مضى. لم يعد هناك مجال للتراجع.
بعد أن أخذ الجميع أسلحتهم، وقف كريس متكئًا على بندقيته، ونظر إليهم نظرة طويلة قبل أن يقول بصوت منخفض ولكن مليء بالتحذير:
"تذكروا، هذه الغابة ليست ملكًا لكم. أنتم مجرد زوار في أرض يسكنها شيء لا يفترض أن يكون موجودًا. إن ارتكبتم أي خطأ، فستكونون مجرد إضافة جديدة إلى قائمة ضحاياها."
ساد الصمت بينهم للحظات، كل واحد منهم يفكر في كلامه. كان هناك خوف في عيون بعضهم، لكن الحزم كان واضحًا أيضًا. أخيرًا
و في تلك الاثناء وسط الظلال المتراقصة على الأشجار، كانت العيون الحمراء تتبع تحركاتهم بصمت، وابتسامة متوحشة ترتسم على وجهها المشوه...
تحركت المجموعة بسرعة، بقيادة كريس الذي كان يسير أمامهم بخطوات ثابتة، رغم عمره المتقدم. لم يكن هناك مجال للضياع، فالطريق كان واضحًا، ولكن هذا لم يجعل الأمور أسهل.
فيكو: "هذا المكان يزداد رعبًا في الليل... أشعر وكأننا مراقبون."
إيفا: "لست وحدك في هذا الشعور..."
كانت ساندرا تشد قبضتها على السكين التي أعطاها لها كريس، بينما كانت تانيا تمسك بقداحتها، تحاول أن تبقي تنفسها هادئًا. أما ماكس، فكان يسير بجوار ريك الذي بدا أكثر توترًا من أي وقت مضى.
عندما اقتربوا من الجسر الخشبي، توقف كريس فجأة، ورفع يده مشيرًا لهم بالتوقف. خيم الصمت للحظات، قبل أن يهمس بصوت منخفض:
"إنها هنا..."
في تلك اللحظة، سُمع صوت حفيف قوي بين الأشجار، كأن شيئًا يتحرك بسرعة خيالية، ثم تبعه صوت ضحكة خافتة ومخيفة. تجمدت الدماء في عروقهم جميعًا.
ماكس: "اللعنة... أكره هذا الشعور."
لكن قبل أن يتمكن أحد من قول شيء آخر، انطلقت المخالب من بين الأشجار، موجهة مباشرة نحو ريك! لم يكن لديه وقت لرد الفعل، لكن فيكو دفعه في آخر لحظة، فسقطا على الأرض، بينما المخالب مزقت جزءا من سترة فيكو.
ظهر الوحش أخيرًا من بين الأشجار، واقفًا على جذع مائل، يتأملهم بعينيه الحمراوين المشتعلتين. لم يكن هناك أثر للطفلة التي تحدث عنها كريس في هذا المسخ، كان مجرد كائن جائع، متعطش للدماء.
صرخ كريس: "تحركوا! لا تتوقفوا أبدًا!"
بدأ الجميع في الركض نحو الجسر، لكن الوحش لم يكن ينوي السماح لهم بالعبور بسهولة. انطلق بسرعة مرعبة، متجاوزًا الأشجار كأنه شبح، ثم قفز أمامهم مباشرة، قاطعًا طريقهم!
إيفا: "نحن محاصرون!"
كانت عيون الوحش تلمع بالشر، ثم فتحت فمها لتكشف عن أنيابها الحادة، قبل أن تصرخ صرخة حادة جعلت الهواء يهتز حولهم. كان هذا أسوأ كابوس يمكن أن يجدوا أنفسهم فيه... ولم يكن لديهم خيار سوى القتال.
اندلعت الفوضى في لحظة!
ارتفع صوت كريس وهو يصرخ: "انتشروا! لا تبقوا معًا!"
تفرقت المجموعة في اتجاهات مختلفة، بينما الوحش انطلق بسرعة مرعبة نحوهم، عيونه تشتعل بوهج جائع. كان فيكو وماكس الأقرب إليه، فقفز الوحش نحوهما بمخالبه الممتدة، لكن فيكو تدحرج على الأرض بينما أطلق ماكس طلقة من المسدس الذي أعطاه له كريس.
بانغ!
أصابت الرصاصة الوحش في كتفه، لكنه بالكاد تأثر، فقط التفت إلى ماكس، مزمجرًا وكأن الألم لم يكن شيئًا بالنسبة له. في لحظة، انقضّ عليه بسرعة لا تُصدق!
ماكس (يصرخ): "اللعنة! إنه سريع جدًا!"
لكن قبل أن تصل المخالب إلى وجهه، جاءت ضربة قوية من سهم كان قد اطلقه ريك عليها، ارتطمت بذراع الوحش وأجبرته على التراجع قليلًا.
"تحرك، ماكس!"صاح ريك
لم يكن لديهم وقت للاحتفال، فالوحش قد صار غاضبًا أكثر. تراجع خطوتين، ثم استدار نحو إيفا وساندرا، اللتين كانتا تحاولان الوصول إلى كريس الذي كان يجهّز بندقيته لهجوم أقوى.
كريس (بصوت حاد): "سأطلق النار على رأسه، ابقوا بعيدًا!"
لكن الوحش لم يمنحه الفرصة. قفز مباشرة عليه، مما أجبر العجوز على التراجع بسرعة، لكنه فقد توازنه وسقط على ظهره، وبندقيته انزلقت بعيدًا عنه.
رأى الوحش فرصة سانحة، ورفع مخالبه عاليًا، مستعدًا لتمزيق كريس إلى أشلاء—
لكن فجأة، سمع الجميع صرخة عالية من الخلف!
كانت ساندرا قد ركضت مباشرة نحو الوحش، ممسكة بسكينها، وبدون تفكير قفزت فوقه وغرست سلاحها في عنقه بكل قوتها!
"مـــــــوت أيها الوحش!"
زمجر الوحش بألم، ثم تأرجح بجسده بعنف، مما أدى إلى رمي ساندرا على الأرض. لكن هذا منح كريس الوقت الكافي! التقط بندقيته، صوّبها بسرعة، ثم أطلق—
بانغ!!
الرصاصة اخترقت جبهة الوحش مباشرة! للحظة، تجمد الوحش في مكانه، عيونه الحمراوان توسعتا بصدمة، قبل أن يتراجع ببطء، ثم يهوى على ركبتيه... وأخيرًا، سقط جسده الضخم بلا حياة على الأرض.
ساد الصمت للحظات... لم يصدق أحد أن الأمر انتهى.
إيفا (لاهثة): "هل... هل ماتت؟"
نهض كريس ببطء، تقدم نحو الجثة، ثم داس على رأسها للتأكد أنها لن تتحرك مرة أخرى.
كريس: "لا، هذا ليس كافيًا. يجب أن نصل إلى قلبه."
نظر الجميع إلى بعضهم البعض، يدركون أنهم لم ينتهوا بعد. الوحش قد سقط... لكن إن لم يدمروا قلبه، سيعود مرة أخرى.
ماكس (بتنهيدة): "الليلة لم تنتهِ بعد..."
اكملت المجموعة سيرهم باسرع ما لديهم حتى وصلو اخيرا الى الكهف المنشود بخطوات ثابتة دخلوه معا و كريس في مقدمته حاملا فانوسا قديما...
"ما كل هذا"
قال نيكي و هو يعدل نظارته و ينظر الى بقايا ملابس ممزقة و ملطخة بالدم... الى جانب بعض العظام المرمية
"الرائحة سية جدا" تذمّر ماكس.
"هذه ملابس ضحاياها السابقين او ما تبقى منها... اما العظام فاما عظام حيوانات برية او... " سكت كريس.
"عظام... بشر" قال ايفا بخوف.
"اجل" اجاب كريس.
"انظرو.. هناك" قالت ساندرا و هي تشير على اخر الكهف.
وقف الجميع أمام الصندوق الحجري الذي يحتضن قلب الوحش رفع نيكي و فيكو عصاتيهما و ضربا قفل الصندوق بكل قوتهما لينكسر و يسقط ارضا بينما رفع اليكس غطاء الصندوق كاشفا عن قلب الوحش ، ينبض بلون أحمر داكن وكأنه ما زال ينبض بالحياة الشريرة التي استمرت لأكثر من 150 عامًا.
ساندرا (تمسك السكين الفضي): "حان وقت إنهاء هذا الكابوس."
لكن قبل أن تتمكن من توجيه الضربة، هبت ريح قوية داخل الكهف، أطفأت بعض المشاعل، وسمعوا صوت صرخة حادة تقشعر لها الأبدان.
إيفا (مرتعبة): "إنه هنا!"
من الظلال خلفهم، انطلق الوحش بجسده المحترق جزئيًا، عينيه المتوهجتين حمرةً، وأسنانه الحادة تقطر باللعاب. لم يكن قد مات بعد!
الوحش (بصوت خشن مشوه): "لن... تدمروا... قلبي!!"
قفز الوحش بسرعة هائلة نحو ساندرا، لكنها تفادت الهجوم في اللحظة الأخيرة، بينما سحب كريس بندقيته وأطلق عليه، لكن الرصاص لم يكن كافيًا لإيقافه.
اليكس(يصرخ وهو يسحب سيفه الفضي): "علينا قتاله الآن وإلا لن نخرج من هنا أحياء!"
تانيا استخدمت القداحة لمحاولة إبعادها عنها هي و فيكو حين كانت ستهجم عليهما ، فالوحش لا يزال يخاف النار. ترنح الوحش قليلا و هي يضع يديه امام وجهه خوفا من النار.. ليسارع فيكو و نيكي بالهجوم عليها بعصيهما ضاربين اياها..... تالمت قليلا.... لكنها سرعان ما دفعتهما بعدا...
ارتطم فيكو بالجدار لينزف راسه قليلا من قوة الضربة بينما سقط نيكي ارضا و قد جرحت ذراعه من مخالب المسخ....
كانت المخلوقة الشنيعة ستهجم على نيكي و تمزقه بمخالبها.... لكن قامت ايفا برمي قنينة المياه المقدسة التي معها على وجهها مباشرة.... لتنكسر القنينة و تسيل المياه على وجه المسخ مسببت لها حروقا فتصرخ المخلوقة الشنيعة من الالم.....
استغل كل من ايفا و اليكس الفرصة حيث سحبت ايفا نيكي بعيدا بينما هجم اليكس بسيفه الفضي غارزا اياه في ساق الوحش مسببا شل حركت ساقها.....
غضبت جدا...... صرخت..... زمجرت و صرت على اسنانها، كانت ستفتك باليكس لكن تمت اصابتها بسهم من قبل ريك في صدرها و رصاصة من ماكس في ظهرها....
"اليكس"
صاحت تانيا و هي ترمي لاليكس عصا فيكو الذي كان شبه فاقد للوعي، ليمسك اليكس العصى و يضرب بها الوحش في بطنها
ماكس (يصرخ وهو يصوب على رأس الوحش): "ابتعد الكيس....ساطلق على راسها!"
لكن الوحش قفز نحوه قبل أن يتمكن من إطلاق النار، ووجه له ضربة بمخالبه، مزقت قميصه وأصابته بجروح عميقة في كتفه.
تانيا (تصرخ)"ماكس؟!"
استغل كريس لحظة تشتيت الوحش، وألقى عليه كيسًا من مسحوق الثوم، مما جعله يصرخ من الألم، ويتراجع ممسكًا بوجهه.
كريس (يصرخ لساندرا): "الآن يا فتاة، افعليها!!"
"حسنا"
اغتنمت ساندرا الفرصة، وركضت نحو الصندوق الحجري،
رفعت الخنجر الفضي بكل قوتها، ثم غرزته في قلب الوحش!
بووووووووم!!
اهتز الكهف بعنف، وبدأت صرخات الوحش تمزق المكان، جسده يرتعش بشدة قبل أن يبدأ في التحلل إلى رماد أسود.
عيونه الحمراء التقت بأعين ساندرا للحظة أخيرة، وكأنها كانت نظرة حزن، لا غضب.
الوحش (بصوت ضعيف ومخيف): "أمي... لقد كنت... خائفة فقط..."
ثم انهار جسده بالكامل، وتحول إلى رماد يتطاير في الهواء.
ساد الصمت للحظات، الجميع يلهثون، بعضهم مصاب، لكنهم أحياء.
ماكس (بابتسامة مرهقة): "لقد... فعلناها؟"
كريس (ينظر إلى الرماد المتناثر): "نعم، لقد انتهى الأمر."
تبادل الجميع نظرات منهكة لكن مليئة بالارتياح. لقد نجوا. اللعنة التي استمرت لقرن ونصف قد انتهت، والوحش لن يعود أبدًا.
ساندرا (تنظر إلى حيث اختفى الوحش): "في النهاية... كانت مجرد طفلة."
لم يرد أحد، لكنهم جميعًا شعروا بالشيء نفسه. لم يكن الوحش سوى ضحية للعالم القاسي، ولكن كان لابد من إيقافه.
بينما كان الجميع يخرجون من الكهف، منهكين لكن على قيد الحياة، توقف كريس فجأة. عيناه انفتحتا على اتساعهما وهو يحدق في شيء بين الصخور و الرماد المتناثر.
اقترب بخطوات بطيئة، وقلبه ينبض بسرعة غير طبيعية. هناك، بين الحجارة السوداء، كانت بقايا ملابس ممزقة ومغطاة بالدم الجاف.
كريس (بصوت مبحوح): "لا يمكن أن يكون هذا..."
ركع ببطء، ومد يده المرتجفة ليلتقط قطعة قماش ممزقة، تعلوها طبقة من الغبار، لكنه عرفها فورًا.
كانت سترة "جاك"، ووشاح "ماريا".
ماكس (يقترب منه بحذر): "يا عم؟ ماذا هناك؟"
لكن كريس لم يرد. عيناه كانتا مثبتتين على القطع البالية، وكأن الزمن توقف به للحظة.
تردد صدى أصوات قديمة في رأسه، أصوات ضحكات رفاقه، أصوات صرخاتهم عندما هاجمهم الوحش لأول مرة.
تذكر كيف حاول جاك تغطية ماريا بجسده لإنقاذها، كيف صرخا له:
"اهرب، كريس!! اسرع.....هيا!!"
لقد هرب بالفعل غير ابه بمصير رفاقه.... حينها فكر فقط في انقاذ نفس لا غير....
والآن، بعد كل هذه السنين، كان لا يزال يشعر بالذنب، كأن جثثهم المتحللة كانت تراقبه، تتساءل: "لماذا نجوت أنت فقط؟"
إيفا (بهدوء وهي تضع يدها على كتفه): "لقد ماتو كي تعيش انت صحيح، يا عم... لن يرغبوا برؤيتك محطمًا هكذا."
لكن كريس لم يرفع رأسه. قبض على القطعة البالية بقوة، وابتسم ابتسامة حزينة.
كريس (بصوت متحشرج): "لقد نجحت، جاك... ماريا... لقد انتقمت لكما أخيرًا."
حمل البقايا معه وهو ينهض، عازمًا على دفنها تحت شجرة في الغابة، حتى يتمكن أصدقاؤه من الراحة بسلام أخيرًا.
بينما واصلوا طريقهم نحو الخروج، همس صوت ناعم في الهواء، لم يسمعه سوى كريس:
"شكرًا لك، كريس..."
ابتسم، وللمرة الأولى منذ سنوات، شعر أن روحه تحررت من ذلك العبء القديم.
بينما كانت المجموعة تتقدم ببطء نحو مخرج الكهف، مرهقين لكن منتصرين، توقفت ساندرا فجأة. صوت رقيق، بالكاد مسموع، تردد في الهواء.
"شكراً لكم."
شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وأدارت رأسها ببطء، غير متأكدة مما سمعته.
وهناك، وسط الظلام، حيث تبخر جسد الوحش قبل دقائق، رأتها.
طفلة صغيرة، تقف بهدوء، عيناها واسعتان وبريئتان، تشع منهما الراحة. كانت ترتدي فستانًا بسيطًا، متسخًا بعض الشيء، وشعرها الأسود الطويل يتماوج بخفة. رغم الظلام، بدا أنها تتوهج بنور خافت.
رفعت الطفلة يدها ولوحت بلطف، وعلى شفتيها رسمت ابتسامة بريئة، خالية من الحقد، خالية من الألم.
ساندرا (بصوت خافت، غير مصدقة): "أنتِ..."
لكن قبل أن تنطق المزيد، اختفت الطفلة، كما لو أن الريح قد حملت روحها بعيدًا.
حدقت ساندرا في الفراغ للحظات، قلبها يخفق بقوة، لكنها لم تشعر بالخوف. بل على العكس...
شعرت بالسلام.
أدركت أنها لم تكن تنظر إلى وحش أو كابوس... بل كانت تنظر إلى طفلة صغيرة كانت حبيسة لعنة، والآن تحررت.
إيفا (تضع يدها على كتفها): "هل هناك شيء؟"
ترددت ساندرا للحظة، ثم ابتسمت بخفة، نظرت إلى المكان حيث وقفت الطفلة قبل أن تختفي، وهمست بهدوء:
"لا شيء... فقط، أعتقد أنها أصبحت حرة الآن."
وبخطوات ثابتة، خرجت مع رفاقها من الكهف، تاركة وراءها كابوسًا استمر لقرن ونصف، وطفلة أخيرًا... وجدت السلام.
.......... النهاية.
تعليقات